الغزل من أقدم الفنون الشعرية عند العرب وأكثرها شيوعا لأنه متصل بطبيعة الإنسان وبتجاربه الذاتية خاصة وأن الحب يحرك كل القلوب ، والشعراء دون غيرهم يصورون هذا الحب بعاطفة صادقة فيتدفق على ألسنتهم من وجدان مرهف ليعبر عما يجيش في خاطر الشاعر وعما يختلج في قلبه .
وبناء على طلبكم الخاص ، فقد اخترنا لكم في هذا الموضوع أجمل أبيات الشعر الجاهلي في الغزل ، فقد عرف هذا العصر بغزارة هذا النوع من الأغراض الشعرية ، فكل الشعراء بدأوا مدائحهم وأهاجيهم ومراثيهم بالغزل .
أجمل أبيات الشعر الجاهلي في الغزل ( 1 )
وقد كنتُ مِن سَلمَى سِنينَ ثَمانيا * على صيرِ أمرٍ ما يمرُّ ، وما يحلُو
وكنتُ إذا ما جئتُ ، يوما لحاجة * مضَتْ وأجَمّتْ حاجة ُ الغدِ ما تخلو
وكلُّ محبّ أعقبَ النأيُ لبهُ * سلوَّ فؤادٍ ، غير لبكَ ما يسلُو
قال عنترة بن شداد :
يا طائرا قد باتَ يندبُ إلفهُ * وينُوحُ وهْوَ مُولّهٌ حَيرانُ
لو كنتَ مثلي ما لبثتَ ملوَّنا * حَسنا ولا مالتْ بكَ الأَغصان
أين الخَليُّ القلْبِ ممَّنْ قلْبُهُ * من حرِّ نيرانِ الجوى ملآن
عِرْني جَناحَكَ واسْتعِرْ دمْعي الذي * أفنى ولا يفنى له جريان
حتى أَطيرَ مُسائلا عنْ عبْلة * إنْ كان يُمكنُ مثليَ الطَّيرانُ
وقال عنترة أيضا :
إذا الريحُ هبَّتْ منْ ربى العلم السعدي * طفا بردها حرَّ الصبابة ِ والوجدِ
ولولاَ فتاة في الخيامِ مُقيمَة * لما اختَرْتُ قربَ الدَّار يوما على البعدِ
مُهفْهَفة ٌ والسِّحرُ من لَحظاتها * إذا كلمتْ ميتا يقوم منْ اللحد
أشارتْ إليها الشمسُ عند غروبها * تقُول : إذا اسودَّ الدُّجى فاطْلعي بعدي
وقال لها البدرُ المنيرُ ألا اسفري * فإنَّك مثْلي في الكَمال وفي السَّعْدِ
فولتْ حياء ثم أرختْ لثامها * وقد نثرتْ من خدِّها رطبَ الورد
وسلتْ حساما من سواجي جفونها * كسيْفِ أبيها القاطع المرهفِ الحدّ
تُقاتلُ عيناها به وَهْوَ مُغمدٌ * ومنْ عجبٍ أن يقطع السيفُ في الغمدِ
مُرنِّحة ُ الأَعطاف مَهْضومة ُ الحَشا * منعمة الأطرافِ مائسة القدِّ
يبيتُ فتاتُ المسكِ تحتَ لثامها * فيزدادُ منْ أنفاسها أرج الندّ
ويطلعُ ضوء الصبح تحتَ جبينها * فيغْشاهُ ليلٌ منْ دجى شَعرها الجَعد
وبين ثناياها إذا ما تبسَّمتْ * مديرُ مدامٍ يمزجُ الراحَ بالشَّهد
أجمل أبيات الشعر الجاهلي في الغزل ( 2 )
قال امرؤ القيس في مطلع معلقته :
قفا نبك من ذِكرى حبيب ومنزل * بسِقطِ اللِّوى بينَ الدَّخول فحَوْملِ
فتوضح فالمقراة لم يَعفُ رسمها * لما نسجتْها من جَنُوب وَشَمْأَلِ
ترى بَعَرَ الأرْآمِ في عَرَصاتِها * وقيعانها كأنه حبَّ فلفل
كأني غَداة البَيْنِ يَوْمَ تَحَمَلّوا * لدى سَمُراتِ الحَيّ ناقِفُ حنظلِ
وُقوفا بها صَحْبي عَليَّ مَطِيَّهُمْ يقُولون لا تهلكْ أسى ً وتجمّل
وإنَّ شفائي عبرة مهراقة * فهلْ عند رَسمٍ دارِسٍ من مُعوَّلِ
قال النابغة الذبياني :
نبئتُ نعما ، على الهجرانِ ، عاتبة * سَقيا ورَعيا لذاك العاتِبِ الزّاري
رأيتُ نعما وأصحابي على عجلٍ * والعِيسُ ، للبَينِ ، قد شُدّتْ بأكوارِ
بيضاءُ كالشّمسِ وافتْ يومَ أسعدِها * لم تُؤذِ أهلا ، ولم تُفحِشْ على جارِ
و الطيبُ يزدادُ طيباً أن يكونَ بها * في جِيدِ واضِحة ِ الخَدّينِ مِعطارِ
تسقي الضجيعَ – إذا استسقى – بذي أشر * عذبِ المذاقة ِ بعدَ النومِ مخمارِ
كأنّ مَشمولة صِرْفا برِيقَتِها * من بعدِ رقدتها ، أو شهدَ مشتارِ
ألَمحَة من سَنا بَرْق رأى بصَري * أم وجهُ نعم بدا لي ، أم سنا نارِ ؟
بل وجهُ نعمٍ بدا ، والليلُ معتكرٌ * فلاحَ مِن بينِ أثوابٍ وأستْارِ
قال الأعشى في معلقته :
ودّعْ هريرة َ إنْ الركبَ مرتحلُ * وهلْ تطيقُ وداعا أيها الرّجلُ ؟
غَرّاءُ فَرْعَاءُ مَصْقُولٌ عَوَارِضُها * تَمشِي الهُوَينا كما يَمشِي الوَجي الوَحِلُ
كَأنّ مِشْيَتَهَا مِنْ بَيْتِ جارَتِهَا * مر السّحابة ِ، لا ريثٌ ولا عجلُ
تَسمَعُ للحَليِ وَسْوَاسا إذا انصَرَفَتْ * كمَا استَعَانَ برِيحٍ عِشرِقٌ زَجِلُ
ليستْ كمنْ يكره الجيرانُ طلعتها * ولا تراها لسرّ الجارِ تختتلُ
يَكادُ يَصرَعُها لَوْلا تَشَدّدُهَا * إذا تَقُومُ إلى جَارَاتِهَا الكَسَلُ
تعليقات
إرسال تعليق